متابعة الرافد / مقالات
بقلم / لبنى الهاشمي
يتشكل الإنسان بشكل طبيعي من خلال ارتباطه بالجمال بجميع أشكاله ومظاهره، وعاطفته مرتبطة بكل ما يتعلق بالجمال بجميع أشكاله ومظاهره. ما اللغز الكامن وراء علاقة الإنسان السحرية الغامضة بالمتعدد الجميل؟ ما هي حاجة البشر للاكتفاء الجمالي؟ ما هو الجمال الذي يتجلى؟ حتى لو لم يكن للجمال والإبداع تعريف، فإنهما أعظم من التعريفات وحدودها المصطنعة. يرسم الجميل حدوده الخاصة التي تنبع من اليومي والزمني. طالما أن الجمال مرتبط بعواطفنا وأنفسنا، وكذلك ذوقنا له، لأن الجمال شعور، والإنسان هو من يختبره.
وذلك الإنسان يقترب من الجمال ويطلبه بدافع الغريزة، واحتفال المرء بالزينة يعكس أولى مظاهر هذا النهج. البحث عن الجمال هو البحث عن الحقيقة والمعنى الكامن في هذا الكون، الاحساس بالجمال ليس ترفاً، بل قيمة روحية وأخلاقية، ضرورة تستدعيها إنسانيتنا النابضة بالحياة، لنسمع تناغم ولحن الكون.
يحاول الإنسان أيضاً تذوق كل شيء في عمقه ومعناه ومن حوله من أجل تحقيق هذا الإنجاز. ولأن الجمال مسألة ذوق فلا علاقة له بالحجج أو البراهين أو الأدلة، والعمق، والربط بين الذوق والواقع مبني على جماله لا برهنته. الأذواق هي وسيلة وأداة لتحقيق غاية أعلى وهي “لمس شغف كل ما هو جميل في هذا الكون”.
ومع ذلك، اتفق الجميع على أن وظيفته المتأصلة في العقول هي التأثير؛ ولهذا يُعرَّف علم الجمال «الاستطيقا – Aesthetica» بأنه العلم الذي يبحث في ظروف ومعايير ونظريات الجمال، وكذلك الذوق الفني والعواطف والمشاعر التي تثيرها رؤية الأشياء الجميلة المتناغمة، العملية الإبداعية، وتصورات الناس عنه، وإدراكهم له.
يُعرَّف النهج الجمالي بأنه فحص للعلاقة بين العمل الفني ومتذوقيه، وهو نقد للنقد لأن النقد يحاول شرح العمل الفني وتحسين علاقته بمتذوقيه. يهدف النهج الجمالي إلى شرح هذا التفسير، ودراسة طبيعة هذه العلاقة، واتخاذ موقف من شروطها وضوابطها؛ لأن الناقد الجمالي يقدر الأعمال الفنية القائمة على هذه القواعد اللغة وكذلك ذوقه الشخصي وإحساسه بالجمال. من ناحية عالم الجمال، لا ينبغي أن يتعارض مع قدرة الفنان على تحقيق الجمال في عمله بفرض القواعد. بدلاً من البحث عن الأحكام الجمالية للناس، كما هو الحال في عالم المنطق، يبحث عن الأحكام الجمالية للناس.
تتبع العلماء جذور علم الجمال إلى العصر اليوناني، وخلصوا إلى أن أفلاطون، الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد، كان أول من فكر في الجمال. وذلك عندما بدأ يرى الجمال ممثلًا في الأصول الملموسة والأعمال الفنية باعتباره تمثيلًا للعالم المثالي، الذي يعتقد أنه يشمل كل الجمال الحسي والأخلاقي والعقلي. وخلصوا إلى أن الفن التشكيلي هو لون من ألوان التقليد، وأنه تقليد لما ينبغي أن يكون عليه بدلاً من عالم المثل الأعلى الأفلاطوني، وأن الجمال يكمن في الاتساق والانسجام.
يشار بالفضل إلى ألكسندر بومغارتن في تأسيس علم الجمال لأنه كان أول من استخدم مصطلح الاستطيقا أو علم الجمال في البحث الذي يدور حول منطق الخيال الفني، والذي يختلف عن منطق التفكير العقلي.
كما توقفوا عندما صادفوا آراء الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط kant (1724 – ١٨٠٤م) في كتابه “نقد الحكم”. عبّر كانط عن أفكاره حول التجربة الجمالية بالإشارة إلى عالم الشعور باللذة والألم، بدلاً من المعرفة القائمة على العقل أو النشاط العملي أو السلوك الأخلاقي القائم على الإرادة.
وضع كانط أربعة شروط للجمال تتعلق بـ (الكيف والكم والجهة والعلاقة) وهم:
1- شرط الكيف: يجب أن تكون أحكام الجمال خالية من المنفعة أو اللذة، لأن الجمال هو ما يرضينا دون أن يجلب لنا أي منفعة أو لذة حسية.
2- الشرط الكمي: الجميل هو ما يرضينا بشكل شمولي، دون الاعتماد على التصورات أو الأدلة العقلية لإقناعنا بجماله، لأن قاعدة الذوق تستثني التصورات والقواعد العقلية والبراهين الاستنتاجية.
3- شرط الجهة: يعتبر الجمال حكمًا لازمًا؛ لأن الجميل لا يحكم عليه بالقبح، وهو حكم ضروري لأنه مشتق من الذوق.، وأن هذا هو الفطرة السليمة التي تحدد كيفية تفسير الأعمال الفنية.
4- شرط العلاقة: وفقًا لكانط، فإن قاعدة الذوق تتحدد بالعلاقة بالغايات، والجمال يُعرَّف بالجمال الذي لا علاقة له بغاية محددة – لأنه لا يشبع رغبة حسية، ولا يرضي بيولوجيًا. حاجة، لا تحقق فائدة، ولا تتطابق مع الإدراك العقلي – ثم تابع كانط ليقول إن الجمال موجود في الكون وفي الفنون، وأنه لا يسعى إلى أي هدف آخر غير الاكتمال والانسجام الذاتي، بل الناحية الفنية الصرفة.