ناجية إيزيدية تفضح “أبو عائشة”: الكوابيس تطاردني

نشرت صحيفة “جارديان ” البريطانية شهادة شابة إيزيدية مضى على تحررها من عبودية تنظيم داعش لها نحو عقد من الزمن، روت فيها كيف كانت في التاسعة من عمرها، عندما أُسرت وأُقتيدت مثل العبيد لتخدم إرهابياً يدعى “أبو عائشة”، وكيف كانت شاهدة على اغتصاب غيرها من الفتيات الإيزيديات، وصولاً إلى تحررها عندما تم إجبارها على ارتداء حزام ناسف وإطلاق سراحها بهذا الشكل للقاء عائلتها لعلها تتسبب في مقتلهم.

‎وبحسب تقرير للصحيفة، ترجمته وكالة شفق نيوز، ما تزال الناجية الإيزيدية غير قادرة حتى الآن على استعادة حياتها الطبيعية ولا العودة إلى الدراسة، وليس لها القدرة على التعايش مع كوابيسها المتكررة في قريتها في سنجار، وتأمل بأن تتمكن من الرحيل بعد سنوات المعاناة التي تعيشها برغم تحررها من قبضة الإرهابيين.

‎ونقلت “الجارديان” عن الناجية التي لم تكشف اسمها، قولها في شهادتها إن “طفولتي التي أمضيتها في قرية في شمال العراق بالقرب من مدينة الموصل، كانت حافلة بالسعادة على الرغم من شح الموارد، وكنت مولعة بمدرستي وأصدقائي، وعشت حياة عائلية دافئة حافلة بالضحك، وكل ذلك اختفى عندما غزت قوات داعش منطقتنا”.

‎وبحسب الشابة الإيزيدية، فإنها عندما سمعت عن اقتراب داعش من منطقتهم في العام 2014، “حاولنا الهروب ولكننا كنا محاطين بخمس مركبات من داعش. تم فصل الرجال وأخذوا والدي وأحد أبناء عمومتي وأطلقوا النار عليهما أمامنا”، مشيرة إلى أن عمرها كان في ذلك الوقت 9 سنوات وكانت “أصغر من أن تشهد مشهداً كهذا.. وكأنه لم يكن حقيقة بل حلماً”.

‎وقالت الشابة الناجية، بحسب ما نقل عنها التقرير: “أذكر بوضوح البكاء بمرارة من الخوف.. وحتى الآن، ليس بإمكاني تخليص نفسي من الصدمة وصوت الرصاص حيث قُتل والدي وابن عمي، ولم نجد جثتيهما أبداً”.

‎وتابعت قائلة إنه “جرى اقتيادنا بعيداً واحتجازنا إلى أن جاء مسلحو داعش إلى سجننا بحثاً عن فتيات صغيرات، وسحبني أحدهم بشعري وضربني ووجه مسدساً إلى رأسي أمام الجميع، مهدداً بقتلي، وتدخلت جدتي، وتوسلت إليه للسماح لي بالرحيل، إلى أن أُغمي علي من الخوف”.

‎وأضافت أنه “بعدما استعدت وعيي، قالت لي إن العديد من الفتيات تم نقلهن إلى سوريا، ولكن ليس أنا. وواصلنا التحرك مع أعداد كبيرة من الفتيات المختطفات. وكانت النساء الأكبر سناً يعتدن إخفاءنا في صناديق خشبية أو ثلاجات كلما اقتحم مسلحو داعش المكان بحثاً عنا”.

‎ولفتت إلى أنه جرى نقلنا إلى مدرسة، حيث أُجبرنا على تعلم القرآن والصلاة وارتداء النقاب برغم صغر أعمارنا، في حين بدأت المجموعة التي تحتجزنا في تنظيم يانصيب للفتيات ليحددوا مصيرهن: إما الاستعباد أو الاغتصاب أو الخدمة المنزلية، حيث جرى اختياري أنا لكي أخدم في المنازل، وتحديداً في منزل إرهابي يدعى “أبو عائشة” وهو من كبار القادة في داعش، حيث كنت أتعرض للتعذيب والضرب.

‎ونقل التقرير عن الشابة قولها: “أُجبرت على تنظيف منازله الأربعة ورعاية أطفاله. وكانت زوجته تشتكي مني وأحياناً كانوا يحرمونني من الطعام لعدة أيام، وكان يضربني بالسلاسل ويتركني مكبلة تحت المطر”، مشيرة إلى أن “أبو عائشة” هذا كان يقتل أسراه بالسكاكين والسواطير، ودرب أطفاله على القيام بذلك.

‎وزادت بالقول إن “أبو عائشة” كان يختار في كل ليلة فتاة إيزيدية للاغتصاب حيث “كان بإمكاني سماع صراخهن، ولا تزال أصواتهن في أذني إلى يومنا هذا. ولأنني كنت صغيرة جداً، لم أتعرض للاغتصاب”.

‎وبحسب الشابة، فإنه جرى منع الفتيات من التحدث باللغة الكردية أو لغتنا الأم أو حتى العربية، وكان كلامنا المفروض باللغة التركمانية لأن “أبو عائشة” وعائلته يتحدثون التركمانية، حيث “أبلغونا أنه يجب أن نتحدث مثلهم”.

‎وفي حين بدأ وضع تنظيم داعش يتدهور في الموصل قبل استعادة القوات العراقية للمدينة في العام 2017، نقل التقرير عن الشابة الإيزيدية قولها: “داعش ادعى أنه سيسمح لنا بالعودة إلى عائلاتنا، ولكن كانت هناك خطة لقتلنا جميعاً لأنهم أعطونا أحزمة متفجرة وأمرونا بارتداءها لتفجير أنفسنا عندما نلتقي بعائلاتنا، لكن لحسن الحظ، تمكنت أنا وصديقتي من قطع أسلاك الأحزمة”، حيث كانت هذه “خطوة تتسم بالجرأة لأننا سمعنا الكثير عن الأحزمة المتفجرة والسيارات المفخخة، وإلى يومنا هذا، لا أعرف كيف لم تنفجر. كان كل شيء كمعجزة، ولا أستطيع أن أصدق كيف هربنا أو تحملنا كل هذا العذاب”.

‎ونقل التقرير البريطاني، عن الشابة الإيزيدية قولها إن تحريرها “لم يكن نهاية المعاناة وإنما بداية رحلة جديدة من الألم النفسي، حيث فقدت ذاكرتي جزئياً بسبب غسل الدماغ ولم أستطع حتى التعرف على إخوتي، وعندما حاولت العودة إلى المدرسة، لم أتمكن من الاستمرار بسبب الصدمة النفسية”.

‎وتابعت قائلة إنه “حتى يومنا هذا، لا زلت أعاني من الكوابيس وأسمع صرخات الفتيات اللواتي تعرضن للاغتصاب والتعذيب معي”. وأضافت الشابة، كما نقلت عنها “الجارديان”، بأنها “تعيش بانتظار فرصة لمغادرة العراق بحثاً عن حياة جديدة، بعيداً عن كوابيس الماضي. لم يعد بإمكاني العيش هنا، أو أي مكان يذكرني بالماضي. كل ركن من أركان هذه المدينة (سنجار) يعيد تذكيري بالجحيم الذي عشته، حيث إن طفولتي وأحلامي ومستقبلي دُمرت”.

‎وختمت الشابة الناجية، بالقول: “كوابيس التعذيب لا تزال تطاردني، وهي محفورة في ذاكرتي، وبرغم ذلك فإن غالبية أعضاء داعش الذين ارتكبوا هذه الجرائم لا يزالون أحراراً. أما نحن، الناجون، فإننا ما زلنا نحاول تجميع ما تبقى من حياتنا التي دمروها، ولكن أين العدالة؟”.