توقّع محللون أن يمثّل فقدان إقليم كردستان لجميع حقول محافظة كركوك نهاية الاستقلال الاقتصادي وحلم الاستقلال. ويبدو أن أربيل ستفقد أيضا سيطرتها على عوائد صادرات نفط الإقليم مع توجه تركيا لتسليم إدارتها إلى بغداد، رغم ترجيح استمرار تدفق النفط على ما هو عليه.
أعلنت القوات العراقية أمس أنها استعادت حقلين نفطيين رئيسيين في كركوك لتكمل بذلك سيطرتها على جميع حقول النفط في المحافظة وتعيد رسم العلاقة بين بغداد وأربيل في مجال النفط بعد سنوات من الشد والجذب.
وتشكّل موارد حقول كركوك ركيزة موازنة الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي، ومن المتوقع أن يشكّل فقدانها ضربة شديدة لأحلام إقليم كردستان العراق بالاستقلال.
ومن المرجح أن تتواصل حقائق الأمر الواقع بشأن تدفق النفط لأن إيقاف ضخه يجعل من الصعب إعادة الضخ في المستقبل ويلحق أضرارا بأنابيب النفط.
لكن إدارة عوائد صادرات النفط ستخرج من قبضة حكومة الإقليم إلى إدارة الحكومة الاتحادية بسبب موقف تركيا الرافض للاستفتاء الذي أجرته أربيل على الانفصال عن العراق في 25 سبتمبر الماضي.
وكانت إمدادات نفط كركوك تصدر عبر أنبوب يعود للحكومة الاتحادية ويمر عبر محافظتي صلاح الدين ونينوى إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط، لكنها توقفت منذ منتصف عام 2014 بسبب سيطرة تنظيم داعش على مناطق شاسعة يمر فيها الأنبوب.
وسارعت حكومة الإقليم منذ ذلك الحين إلى السيطرة على حقول كركوك وربطتها بأنبوبها الخاص، وكانت تصدر بين 150 إلى 250 ألف برميل يوميا عبر تركيا، إضافة إلى صادرات الإقليم التي تصل إلى 500 ألف برميل يوميا.
ومن المتوقع أن يستمر تدفق نفط كركوك عبر أنبوب الإقليم رغم الوضع المتفجر بين بغداد وأنقرة من جهة وأربيل من جهة ثانية، لأن إيقاف الضخ يمكن أن يلحق أضرارا بجميع الأطراف.
وكانت وزارة النفط العراقية قد أطلقت في الأسبوع الماضي عمليات إصلاح الأنبوب لكن الأمر قد يستغرق بعض الوقت لإصلاح الأضرار وتشغيله مرة أخرى بعد توقف دام أكثر من 3 سنوات.
وقد جددت أمس ذلك الموقف. كما أعلن وزير النفط جبار لعيبي أن العراق يخطط للتعاقد مع شركة نفطية أجنبية لزيادة الطاقة إنتاج حقول كركوك من النفط بأكثر من ضعف المستويات التي كانت عليها في بداية عام 2014 لتتجاوز حاجز مليون برميل يوميا.
وقال لعيبي، معلّقا على العملية العسكرية إن القوات العراقية بسطت سيطرتها على كركوك وإن جميع الحقول في المحافظة عادت إلى سيطرة الحكومة.
وحذر الوزير السلطات الكردية من إغلاق خط أنابيب تصدير نفط كركوك، قائلا إنهم سيتحملون المسؤولية القانونية تجاه ذلك، وهو ما يؤكد استمرار واقع ضخ النفط على ما هو عليه في المستقبل القريب لحين إصلاح الأنبوب الذي لا يمر عبر إقليم كردستان.
ويبدو إقليم كردستان الآن في وضع أسوأ بكثير مما كان عليه قبل الاستفتاء حين كان يصدر لحسابه الخاص ما لا يقل عن 650 ألف برميل يوميا من حقول الإقليم وحقول محافظة كركوك.
ولم تكن لبغداد حينها أي سلطة على نشاطات حكومة الإقليم النفطية، لكنها فقدت اليوم سيطرتها على عوائد جميع صادرات النفط بسبب موقف الحكومة التركية التي أعلنت أنها ستسلم إدارة عوائد الصادرات إلى الحكومة المركزية في بغداد.
ويرى الخبير الفرنسي سيريل روسل أن فقدان إقليم كردستان لحقول كركوك سيؤدي لفقدانها شريان أساسيا للحياة الاقتصادية وسيمثّل ذلك “نهاية للاستقلال الاقتصادي لكردستان ولحلم الاستقلال”.
وطلبت وزارة النفط من شركة نفط الشمال وشركة المشاريع النفطية وشركة خطوط الأنابيب الحكومية بالبدء في “عملية إصلاح وتأهيل شاملة وعاجلة لشبكة الأنابيب الناقلة للنفط الخام من حقول كركوك إلى ميناء جيهان التركي”.
وشدد لعيبي على ضرورة “الإسراع في استئناف الصادرات النفطية عبر شبكة خطوط الأنابيب التي تمتد من حقول كركوك إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط دون المرور في أراضي إقليم كردستان”.
وأضاف أن “الصعوبات والتحديات المالية والاقتصادية سوف لن تحول دون قيام وزارة النفط بإعادة تأهيل شبكة خطوط أنابيب الصادرات النفطية وبالإمكانيات المتاحة وبالجهد والخبرة الوطنية وبدعم ومتابعة وإسناد من قبل رئيس الوزراء”.
وكانت صادرات النفط من كردستان وكركوك موضع شد وجذب بين أربيل وبغداد وقد توصلتا مرارا إلى اتفاقات لكنها لم تدم طويلا بسبب توتر العلاقة بين الجانبين.
وكان آخر اتفاق قد أبرم في نهاية عام 2014 وتضمن قيام أربيل بتصدير نفطها ونفط كركوك لحساب بغداد مقابل الحصول على 17 بالمئة من حجم الإنفاق في الموازنة العراقية.
لكن الاتفاق تعثر وواصل الإقليم تصدير نفط حقول كركوك لحسابه الخاص ما اضطر بغداد لإيقاف حصة الإقليم في الموازنة.