يرى مراقبون للعملية السياسية ان الاكراد يلعبون دور “بيضة القبان” في جميع الانتخابات البرلمانية وخطوات تشكيل الحكومات الاتحادية السابقة، إلا أن دورهم في الانتخابات الاخيرة سيكون أكثر تأثيراً مما سبق، وفقاً لمعطيات أمنية وسياسية واقتصادية شهدتها الدورة البرلمانية التي شارفت على الانتهاء.
وتعرض الاكراد للكثير من الهزات والمشاكل في السنوات الأخيرة، لعل أبرزها تمكن تنظيم داعش من السيطرة على مناطق مهمة متاخمة لاقليم كردستان وما نتج عن ذلك فيما بعد من أوضاع خطرة، الى جانب اصرار رئيس اقليم كردستان السابق مسعود بارزاني على اجراء الاستفتاء على انفصال الاقليم والمناطق المتنازع عليها عن العراق.
ومن تداعيات إجراء الاستفتاء، تدخل القوات الامنية الاتحادية لاستعادة السيطرة على كركوك والمناطق المتنازع عليها بين بغداد واربيل، وهو ما يُعرف بـ”احداث 16 من تشرين الاول” التي نتج عنها انسحاب القوات الكردية الى حدود ما قبل 2003.
كذلك الحرب التي أعلنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على حزب العمال الكردستاني في تركيا وداخل حدود الاقليم، لعبت دوراً مهماً كانت له تأثيراته السلبية على الاكراد.
وحصيلة كل هذه الاحداث، يبدو أن الاكراد تنامى لديهم إحساس بأن تباشير “الربيع الكردي” بدأت تلوح في الأفق مرة اخرى بعد نتائج الانتخابات الاخيرة التي كانت مفيدة لهم ومخيبة لبعض الكتل العراقية.
منعطف جديد
ويرى المراقبون ان الاكراد اصبحوا “بيضة القبان المؤثرة” في الدورة البرلمانية المقبلة التي ولدت اساسا ولادة قيصرية مشوهة وغير مكتملة الملامح.
يقول المراقبون ان النتائج التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة شكلت منعطفا جديدا للأطراف السياسية في إقليم كردستان من خلال التسابق إلى بغداد لعقد تحالفات تشكيل الحكومة المقبلة.
واشاروا الى ان هذا التطور جاء بعدما كان الإقليم يعد وجهة أساسية لكل القوائم الشيعية الفائزة، بعد كل استحقاق انتخابي منذ العام 2003 من أجل الحصول على موافقة الكرد على تشكيل حكومة توافقية، الا أن انتخابات 2018 حملت تغييرا يمكن رصده عبر سباق كتل كردية الى بغداد، من أجل بحث تشكيل الحكومة المقبلة مع الفائزين كل حسب طريقته ومصلحته ومن دون تحالف قومي يحفظ الثقل الكردي في التوازنات الطائفية والقومية.
الكاتب والمحلل السياسي احمد الخضر، يقول في حديثه لـ”الغد برس”، ان “الاكراد في تحالفاتهم هم اقرب الى مصالحهم، لذلك لا يفضلون جهة على اخرى”.
واضاف “الزيارات المكوكية لبغداد جاءت لجس النبض ولمعرفة ما يدور في خلد زعماء الكتل العراقية لاستنباط ما يمكن التفاوض عليه ومن اجله”.
وبين الخضر ان “الاكراد سيكونون قربيين من اي جهة تلبي مطالبهم، ومنها اعادة الموازنة الى سابق عهدها بنسبة 17%، ورواتب البيشمركة، ومستحقات شركات النفط العاملة في كردستان التي تتجاوز اكثر من 180 مليون دولار، وقضية المناطق المتنازع عليهاوالمادة140”.
محوران فاعلان
واشار الى ان “الانتخابات الاخيرة افرزت محورين في العراق، وهما محور النصر وسائرون، والاخر محور الفتح ودولة القانون”.
وتابع بالقول “محور الفتح ودولة القانون يريد استقطاب الاكراد، وهو اكثر مرونة في التعامل مع المطالب الكردية، ويمكن لهذا المحور تنفيذ مطالب الاكراد خاصة وانهم يطالبون بوزارة النفط”.
واضاف “اما محور النصر وسائرون فمن الصعوبة ان يخضعوا لمطالب الاكراد، خاصة وان العبادي خلال دورته الماضية اكد على ضرورة تطبيق الدستور ونفذ ذلك على ارض الواقع ودخل كركوك والمناطق المتنازع عليها”.
ايران وتشكيل الحكومة
المراقبون يرون ان طهران مهتمة بالتواصل مع ممثلي الأحزاب الكردية في بغداد واقليم كردستان، وكلفت سفيرها في بغداد بالتفاهم معهم حول الانضمام الى محور الفتح ودولة القانون من خلال سعيها لتجميع كتلة برلمانية كبيرة تستطيع الحصول على تكليف تشكيل الحكومة الجديدة.
وتشير المصادر إلى أن استجابة الأكراد للدعوة الإيرانية بالانضمام إلى تحالف العامري والمالكي تتعلق بمصالح كل منهما في مدينة كركوك الغنية بالنفط المتنازع عليها بين الأكراد والتركمان والعرب.
وتشير معلومات مسربة الى عرض الإيرانيين إعادة النفوذ الكردي في كركوك إلى ما كان عليه قبل اجراء استفتاء الاستقلال في 25 ايلول الماضي، مقابل عدم الانضمام الى تحالف العبادي والصدر.
ويمكن أن توفر الصفقة الإيرانية هذه الاستقلالية النفطية لحزبي بارزاني وطالباني، لكن لغاية الآن لم يحسم الاكراد أمرهم بهذا الخصوص.
وبحسب مصادر مطلعة على ما يجري خلف الكواليس السياسية، فإن محور الصدر والعبادي ما زال بانتظار موقف الحزبين الكرديين، وربما يعقد لقاء اخر قريب بين الجانبين في وقت لاحق.
سائرون هو الأقرب
يقول الكاتب والمحلل السياسي الكردي صباح زنكنة، في حديثه لـ”الغد برس”، ان “ميول الاكراد في التحالفات ستكون اقرب الى سائرون”.
وعلل ذلك بعدة اسباب، وهي ان “سائرون بزعامة مقتدى الصدر لم يسخر جهوده السياسية والاعلامية كبقية الاطراف السياسية ابان ازمة الاستفتاء الكردي ولم يقف بالضد من الاكراد ومن مشروعهم الاستراتيجي بل اعتراضه فقط كان على التوقيت باعتبار ان الوقت غير مناسب بسبب التهديدات الاقليمية بالتدخل في حال اجراء الاستفتاء”.
وتابع زنكنة “بالاضافة الى ذلك، الصدر كان موقفه واضحا من سياسة المحاور ولم يكن جزءا من المشروع الايراني بالمقارنة مع دولة القانون والفتح، ومن الواضح للعيان ان ايران تقف بالضد من الحلم الكردي في تأسيس دولتهم لذلك يرى الكرد انفسهم اقرب الى سائرون من تحالف الفتح ودولة القانون”.
واضاف “بالرغم من ان العبادي كان سببا في انهيار الاستراتيجية الكردية بتأسيس الدولة، الا انه ايضا اتبع سياسة النأي بالنفس عن المحاور وكان على مسافة واحدة في التعامل مع الدول الخليجية والعربية والاقليمية وتمكن من مسك العصى من المنتصف وهذا بالنسبة للكرد يبدو مفيدا”.
التشظي الكردي
ولفت الى “حزب بارزاني الان يتصدر المشهد الكردي وهو يختلف عن حزب طالباني باعتبار ان الاخير اقرب الى ايران، وربما التقارب الكردي مع الصدر والعبادي سيؤدي الى خلاف اخر داخل البيت الكردي”.
واكد زنكنة “من الافضل للكرد تشكيل تحالف كردي قوي يشمل جميع الاحزاب في كردستان دون استثناء والابتعاد عن التشظي لان ذلك لن يخدم مشروعهم السياسي والاستراتيجي، وقد تبين ذلك جليا من خلال سعي الإدارة الأمريكية عبر الممثل الرئاسي بريت ماكغورك إلى ثني القوى الكردية التي تنوي مقاطعة البرلمان والحكومة الجديدين عن تنفيذ قرارها عبر اجتماعات ولقاءات”.
وختم بالقول “في حال المقاطعة النهائية التي تصر عليها أوساط المعارضة الكردية فإن الكرد سيفقدون دورهم المعهود في بغداد على خلفية الانقسامات التي حدثت بعد انتخابات 12 ايار، التي ادت الى فقدان مقومات الوحدة داخل البيت الكردي التي تتمثل بالتوازن والتوافق”.