يمكن القول إن عام 2018 هو عام الفيلم الروائي العراقي (تورن) Toren للمخرج المغترب نوزاد شيخاني، نظراً لما حققه من إنجازات استثنائية وجوائز فنية راقية من مختلف دول العالم بلغت حتى الآن حدود خمس وعشرين جائزة، ولا يزال الفيلم يواصل نجاحاته ومشاركاته في المحافل الفنية الدولية قبل عرضه في دور السينما العربية أو العالمية. ولا يزال المخرج اللامع شيخاني يواصل السفر هنا وهناك بدعوات سينمائية لا تنقطع بعدما حقق الفيلم استثناء في الجوائز والمشاركات ولفت الأنظار إليه كصناعة فنية متقدمة، إضافة إلى ما يحمله من فكرة إنسانية عظيمة أبهرت صنّاع السينما وهي فكرة إذلال المكوّن الإيزيدي عندما احتل داعش مدينة سنجار وقراها.
تورن.. اسم أيزيدي يعني الرجل الشهم والنبيل المتشبث بأرضه وأصله وجذوره، ومن هذه الدلالة المباشرة نستطيع فهم الفكرة الفيلمية ورمزيته (الإيزيدية) التي عمل عليها المخرج شيخاني بعد حادثة سنجار والمناطق الإيزيدية التي تعرضت للاحتلال والاغتصاب من قبل عصابات داعش الدولية، وبالتالي يقترب المخرج من صناعة سينمائية لها تأثير إنساني واضح المعالم على المتلقي-الآخر الذي بقيت الكثير من التفاصيل غامضة بالنسبة إليه أو لم يتمكن الإعلام الواسع من تغطيتها بشكل صحيح. والآخر هو الذي يعيش حياته بمنأى عن عالم الشرق الأوسط المبتلى بسعار الحروب والاحتلالات وتقويض حياته بأي شكل من الأشكال.
وفي تورن عكس شيخاني المأساة الإيزيدية من زاوية إنسانية تناوبت عليها أربعة أجيال لشعب مهدد بالغزوات على مر تاريخه حينما بلغت 74 غزوة أجنبية لإبادة أقلية تمثل طائفة لها تاريخ ودين وثقافة محلية، بلغت ذروتها في الغزو الداعشي، ليأتي هذا الفيلم ويلقي الأضواء الكاشفة على هذا الشعب المهدد عبر تاريخه الطويل في صراعه المستميت بين الحياة والموت، مثلما يقدم رؤية واقعية عن الحياة الإيزيدية وثقافتها الشخصية وانتمائها التاريخي إلى بلاد الرافدين كونها أحد مؤصّلات الواقع العراقي القديم التي بقيت حتى اليوم في زاوية من زوايا الوطن العراقي.
تورن.. اسم إيزيدي يعني الرجل الشهم والنبيل المتشبّث بأرضه وأصله وجذوره، ومن هذه الدلالة المباشرة نستطيع فهم الفكرة الفيلمية والرمزيته (الإيزيدية) التي عمل عليها المخرج شيخاني بعد حادثة سنجار والمناطق الإيزيدية
يأتي فيلم تورن بعد الموت الصامت للسينما العراقية التي كانت رافدا من روافد الثقافة العراقية أجيالا طويلة، غير أن الحياة الفنية برمتها خذلتها السياسة وعمائمها، وبقي الأمل الآخر في صنّاع الجمال في الطرف الآخر من الأرض، من الذين استوعبوا تجارب الحياة الأخرى في ميدانها الفني والجمالي، وشيخاني المغترب ألمانيا عاش المأساة الإيزيدية كما وقعت وعاش الانفتاح الفني بنسخته السينمائية، إضافة إلى ثقافته الواضحة في صناعة وإخراج فيلم سردي طويل أدخله في المختبرات العالمية بجرأة الصانع الماهر الواثق من أنه منافس جدير بأن ينتبه الآخرون إليه عبر هذا الفيلم بفكرته الجديدة وتقنياته اللافتة كمخرج جديد لا يستهان بخبرته الفنية.
وفي اتصال مع المخرج شيخاني أوضح أن أحداث الفيلم تصور حالات الشعوب التي تتعرض إلى الحروب والقمع والمذابح وتهجيرها قسرا من أوطانها وتشتتها في بقاع العالم أو انحلالها في مجتمعات متفرقة وغريبة على عاداتها وتقاليدها، وهو ما يؤدي إلى فقدان هويتها ومن ثم انقراضها من خلال تجسيد تراجيديا قصة مأساة الإيزيديين نتيجة حملات الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكب بحقهم عبر التاريخ وهروب الناجين منهم بحثا عن أوطان تحميهم. وقال إن الفيلم يتحدث عن الحب والسلام والانتماء الإنساني والتعايش السلمي بين الشعوب، عن فلسفة الضياع والحرمان، فلسفة تصادم الحضارات والأديان. كما يمثل فلسفة الصراع بين الموت والحياة من أجل البقاء.
وقال شيخاني إن تورن فيلم روائي طويل من إنتاجه وإخراجه وكتب السيناريو مع جاسوا وسماني ومن بطولة الممثلين الجورجيّيَن ليميدا أربولي وكريستينا جيجينادزي. وصورت أحداثه بين مدينة الميتروبول (تبليسي) العاصمة الجورجية ومعبد “لالش” الوريث العقائدي والتراثي لحضارة وادي الرافدين، وشاركت فيه نخبة كبيرة من الممثلين وضيوف الشرف من جورجيا والعراق وفريق عمل تم اختيار أفراده من ألمانيا، جورجيا، العراق، هولندا، سوريا والمغرب.
ولفت شيخاني إلى أن مراحل إنجاز الفيلم استغرقت أربع سنوات وصورت حواراته الأصلية بأربع لغات ولأسباب مهمة تكمن في مصلحة الفيلم تمت دبلجته إلى العربية (اللهجة الشامية) مع أبرز نجوم الدراما السورية مع وضع الترجمة الإنكليزية للمشاهد الأجنبي.