صمت الفصائل الموالية لإيران في العراق خلال الحرب وغياب أي رد عسكري مؤشرات إلى تحول في قواعد الاشتباك… أو ربما تفاهمات غير معلنة تدار من خلف الستار.
طهران “لم تعد تملك الغطاء الإقليمي الذي اعتادت عليه في حروب الوكالة السابقة”، وشركاؤها المحليون، خصوصاً في العراق، “أصبحوا أكثر حذراً وأقل استعداداً لخسارة مكاسبهم الداخلية دفاعاً عن مشروع خارجي بات هشاً”.
واشنطن قد لا تمانع استمرار وجود الفصائل المسلحة، شرط أن تقتصر أدوارها على الانتظام في الحياة السياسية والابتعاد عن أدوارها المسلحة الداعمة لطهران.
لم تكن المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل حدثاً عابراً في الصراعات التي يعيشها الشرق الأوسط، بل بدت من ناحية التوقيت والتكتيك كاشفة عن لحظة الانتقال الحرجة التي تعيشها المنطقة، التي ربما تتمخض عنها ترتيبات جديدة للمشهد الإقليمي وإعادة تشكيل الموازين داخله، من خلال تفاهمات غير معلنة لا تشكلها الصواريخ فحسب، بل الأدوات السياسية والاقتصادية أيضاً.
وعلى رغم ابتعاد العراق عن تداعيات التحويلات الخطرة التي تعيشها المنطقة إلى حد ما، فإن انعكاساتها ستؤثر في مشهده السياسي والاقتصادي بصورة مباشرة، بوصفه ساحة محتملة لتصفية الحساب، أو منصة جديدة تعاد من خلالها صناعة تفاهمات مرحلية جديدة.
ويعطي الصمت وانخفاض منسوب التصعيد الخطابي من قبل الجماعات الموالية لإيران، وتحوطها في مواقفها، مؤشرات إلى وجود تفاهم جزئي، أو في الأقل نوع من التنظيم غير المعلن للصراع، الذي ما زالت ملامحه غير مكتملة.
ولعل أبرز ما يطرح في الوقت الحالي على الساحة العراقية التساؤلات عن موقع بغداد في أي معادلة جديدة ستُصاغ، خصوصاً مع تساقط كثير من حلفاء طهران في المنطقة خلال العامين الأخيرين، والحديث عن احتمالات صفقة جديدة بين طهران وواشنطن
وبدت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي لمح فيها إلى احتمال تخفيف قيود بلاده على تصدير النفط الإيراني إلى الصين، كمؤشر أولي على وجود خطوط تفاهم اقتصادي قيد التشكل، مما يترك الباب مفتوحاً أمام احتمال أن تدرج بغداد أيضاً في تفاهم مشابه بصورة غير مباشرة.
وفي مقابل هذا، يدرك صانعو القرار في إيران، على ما يبدو، أن إدارة ملفات النفوذ بآليات ما قبل 2023 لم تعد ممكنة. فمع الانهيارات الكبيرة التي حصلت على ساحات نفوذها في المنطقة وتصاعد الضغوط الخارجية والداخلية، ربما تندفع طهران نحو إعادة التموضع والتخفيف من نفوذها الواضح في العراق، إلى أشكال مختلفة باتت تتكشف نوعاً ما أخيراً.