
زينه عبدي
في ظل المشهد الضبابي المسيطر، بقيت الصحافة السورية سواءً في الداخل المقيد أو الخارج
المنفتح نسبياً، ولا تزال، محكومة بخطاب النزاعات والأزمات وكيفية النجاة من التقييد
والتضييق والرقابة، في بلد تتوالد فيه الصراعات واحدة تلو الأخرى دون انقطاع، حتى بعد
سقوط النظام السابق، وأسيرة التغطيات من أحداث عاجلة ورصد وتوثيق الانتهاكات
والشهادات، فيما ظلت صحافة الحلول شبه غائبة أو ذات حضور خجول. ومن النادر، لا سيما
في الوقت الراهن، أن يجد السوريون والسوريات بدائل أو سبل للخروج من مشاكلهم التي
تواجههم يومياً في الإعلام ضمن المواد الصحفية التي تُطرَح، وبشكل خاص تلك التي تبحث في
الجذور العميقة للمشكلة وواقعها الحقيقي والتحديات والعوائق بما في ذلك محاولة إيجاد الحلول
المناسبة القابلة للتنفيذ وتفكيك عمق الأزمات رغم إحاطتها بقيود تقلل من قابلية تنفيذها على
الأرض بما يتناسب، فهل السبب يرجع إلى مسار العملية السياسية المعقد؟ أم تشترك في قمع
هذا النمط من الإعلام التحديات المهنية والمجتمعية وغياب الشفافية وبالتالي يوارى الثرى تحت
حطام الخطاب المتناقض كما السابق؟.
لماذا غائبة عن المشهد السوري؟
نشأت صحافة الحلول لتعميق الفهم، لماذا وجدت المشكلة؟ كيف يمكن التعامل مع الأزمات
ووضع الحلول المناسبة مقارنة بدول أخرى تمر بذات التجارب والاستفادة منها؟ هل من
مبادرات أو محاولات ازدهرت ولو بصورة جزئية محلياً؟ هذا النمط من الصحافة يقدم مساحة
محفزة للتفكير الجماعي في الحلول بدلاُ من التيه واللف حول المشكلة.
في خضم المرحلة الانتقالية بسوريا، تغيب صحافة الحلول ليس لأسباب متعلقة بالضعف
الإعلامي فقط، وإنما بسبب البيئة والجو السياسي العام المضطرب ومجتمع متهالك وحالة
إعلامية متأزمة، ورغم ذلك فإن وجود هذه الصحافة ربما تعيد بناء الثقة وتمكن المجتمعات من
قيادة التغيير بنفسها.
وفي ذات الساق، وما يرافق السياق السوري تعقيدات، ليس بإمكان الصحفي/ة السوري/ة الكتابة
عن جذور الفساد مثلاً وطرح الحلول المناسبة بسبب دائرة الخطر المحاطة به/ا بسبب تناوله/ا،
الذي لا بد منه، الأسئلة التي تُعتَبر حساسة بل ومحرمة في بعض الأحيان، والمشكلة الرئيسية
أن الإعلام السوري بات يعيش على التغطية الإخبارية للحدث دون تطور بما يتناسب مع تحليل
أعمق باحث عن المنافذ والمخارج، ثم أنه ليس حراً بمحتواه المهني، هناك خطاب مهيمن لا
يسمح بالحلول إن طرحت من الجهة الخطأ( حسب رأيهم). مثلاً رفض تغطية فعالية تضع
حلولاً آنية ومحلية بصفتها مرتبطة بطرف سياسي ،الذي يعتبرونه خصماً، الأمر الذي يمنع
الصحافة العابرة للانقسام من الظهور أو أداء مهامه المطلوبة.
ويضاف إلى التحديات الأساسية المتعلقة بالموارد الصحفية لصحافة الحلول، لا سيما بالنسبة
للصحفيين والصحفيات الشباب الذين يعملون بشكل مستقل، قلة التدريبات التي تمكنم/ن
وتؤهلهم/ن للعمل في جمع البيانات والتحقق منها.
ومن جانب آخر فإن ضبابية المرحلة الانتقالية وغياب المرجعيات القانونية والمؤسساتية، يترك
الصحفيين والصحفيات في فراغ سياسي وقانوني، حيث السلطة تكون ضعيفة وهي في مرحلة
الولادة والنشأة وموزعة بمنأى عن الوضوح في امتلاك القرار أو كيفية إدارة المرحلة، الأمر
الذي يصعِّب على صحافة الحلول تغطية المبادرات كما يجب وبفاعلية أو انتقاد الأداء بشفافية
دون خطر.
وفي ذات السياق، وبعد أكثر من عقد من التدمير الممنهج للإعلام السوري، ولا يزال، فإن
غالبية المؤسسات الإعلامية التي من المفترض أن تتبنى صحافة الحلول، إلا أنها هشة في خضم
هذه المرحلة الانتقالية الحساسة التي تتطلب مزيداً من المهنية والدقة العالية على كافة الصعد.
الانتقال بحد ذاته لا يمكنه صناعة إعلام مستقل بصورة تلقائية، وإنما يحتاج لإنشاء إعلام وفقاً
لمعايير مهنية وأخلاقية، وهذا يعد أمراً لا مكفولاً على الإطلاق في ظل فترة الانتقال أو التحول.
بات غياب الوصول للمعلومة بشكل عادل في هذه المرحلة محتكراً من قبل جهات عسكرية أو
سياسية، لا سيما أن صحافة الحلول تعتمد بصورة أساسية على البيانات والمعلومات والتحقق
من المبادرات وفعاليتها، لذلك عندما يكون الوصول لمصادرها غير مفتوحاً، تفقد هذه الصحافة
بصورة كلية مصداقيتها.
يدخل الشعب السوري بعد سنوات من الصراع المرحلة الانتقالية محملاً بأثقال أرهقته وأفقدته
الثقة بالسلطات الحاكمة باحثاً عن حلول آنية ومستعجلة تناسب المرحلة الراهنة خلا فترة
قصيرة، إلا أن صحافة الحلول تلزمها مدداً زمنية ووقتاً إضافياً للتغطية وتقييم آثارها. لذلك أرى
أن الضغوطات على الإعلام من قبل الجمهور لتقديم حلول ونتائج مباشرة قد يدفع بالعاملين في
الإعلام لتقديم روايات وقصص وحقيقة غير مكتملة المعالم وبصورة متسرعة.
وأكثر ما يهدد استدامة صحافة الحلول، برأيي، التي تعتمد على البحث المعمق والزمن
والتراكمية، هو أن عدداً من المؤسسات الدولية، لا سيما في المرحلة الانتقالية التي سنحت
فرصة انفتاحها على دعم الإعلام داخل سوريا، قد توفر التمويل ولكنه مشروط بأجندات سياسية
أو لربما بمشاريع قصيرة المدى.
في سياق إعادة الإعمار التي نحن بصددها الآن شكلاً وليس مضموناً، قد يستخدم الإعلام بعض
القصص أداةً إعلانية ودعائية لسلطة الأمر الواقع الحالية أو للمانح. هنا تصبح مهام صحافة
الحلول أكثر تعقيداً، حيث احتمال الوقوع في فخ الدعاية والبروباغندا السلبية أو الترويج وفقدان
الحياد على أقل تقدير كبيراً لدى تغطيتها للمبادرات الناجحة، لذلك على صحافة الحلول الابتعاد
عن الخطاب التجميلي أو البروباغندا الإيجابية حفاظاً على المعايير المهنية والأخلاقية.
المرحلة الانتقالية في سوريا بحاجة ملحة وضرورية إلى إعلام متوازن ومسؤول، قادر على
كشف مكامن الخلل وتقديم حلول أو بدائل تلائم واقع الحدث أو القصة، إلا أن هذه الطموح،
سابقاً، وحالياً يصطدم بعقبات جمة عميقة متعلقة بثقافة العمل الصحفي والاستقطاب والأمن
والمنح.