في موازاة التحركات الخارجية والداخلية المتعلقة بموضوع سحب سلاح حزب الله في لبنان، تدور معركة دبلوماسية كبيرة في نيويورك قد تغيّر المشهد في الجنوب اللبناني وتضاعف التحديات التي تواجه الدولة اللبنانية في هذه المرحلة.
المسألة تتعلق بالتجديد لولاية قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الجنوب اللبناني- اليونيفيل. فبعد نحو نصف قرن على تمركزها في تلك المنطقة، يبدو مصير هذه القوات غير محسوم: يريد لبنان بقاءها وتسعى إسرائيل لإنهاء وجودها.
يصوّت مجلس الأمن الدولي، الخميس 28 اغسطس آب، على مشروع قرار يمدّد لمرة أخيرة عمل قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (اليونيفيل) حتى نهاية العام المقبل تمهيداً لانسحابها سنة 2027. فلماذا كل هذا التجاذب بشأن هذه القوات؟
في موقع إطلاق صواريخ حزب الله، وفي آلية بيضاء مصفحة وكبيرة معروفة في الجنوب بآليات “الأمم”، انتقلنا في دورية مع عناصر من الكتيبة الهندية إلى منطقة شبعا الحدودية.
بعد نحو عشرين دقيقة على الطريق، توقفت الآليات واقتادنا الضابط سيراً على الأقدام داخل أحد الأحراش. كان الطريق صخرياً ودون أي معالم خاصة.
بعد بضع دقائق وصلنا إلى نقطة مطوّقة بالأشجار، تتناثر فيها مقتنيات شخصية من أحذية وحرامات وطاسات وركوة قهوة وعبوات مياه.
ال لنا الضابط إن المكان الذي كنا نقف فيه هو مدخل نفق تابع لحزب الله، وإنه تمّ اكتشاف سلالم حديدية موصولة فيه كان عناصر من حزب الله يستخدمونها للدخول إلى النفق والخروج منه.
ما رأيناه بأعيننا هنا يختلف عن الصور التي رأيناها من على هاتف الضابط التي أظهرت نوعاً من البنية الهندسية المتطورة.
“هكذا كان النفق عندما عثرنا عليه”، قال لنا.
رفض مشاركتنا الصورة، وبقي المشهد الموجود هنا هو تلك الحفرة المطمورة التي تتناثر حولها أغراض بدائية أساسية للحياة في الخفاء تحت الأرض، وفي ظروف طبيعية ومناخية قاسية.
بدأ البحث عن هذا النفق في هذه المنطقة بناء على مشاهدات إطلاق الصواريخ من تلك البقعة أثناء الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل.
“بعد وقف إطلاق النار تم تمشيط المنطقة خطوة خطوة حتى تمكنّا من تحديد المكان من خلال دوريات جوية وبرية. ففي هذه المنطقة الواسعة، من الصعب جداً العثور على موقع بعينه، لا سيما أن النقطة نفسها كانت مخفية جيداً”، بحسب ما شرح لنا الضابط الهندي.
دلّنا الضابط أيضاً على موقع مجاور، يبعد بضعة أمتار فقط عن النفق المدمّر. قال إنه كان يُستخدم كغرفة عمليات عسكرية لحزب الله، وهو ما يجعل مجمل المكان الذي اكتُشف نقطة عسكرية مهمة للغاية.
منذ توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل في 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بات البحث عن أي مواقع عسكرية لحزب الله من أبرز مهام اليونيفيل.
لقرار 1701
تندرج مهام اليونيفيل هذه في إطار القرار الأممي 1701 الصادر عام 2006، عقب انتهاء حرب الثلاثة وثلاثين يوماً بين حزب الله وإسرائيل، الذي ينص على وجوب التأكد من خلو أي وجود عسكري بين الخط الأزرق ونهر الليطاني في الجنوب اللبناني، من غير الجيش اللبناني وقوات الأمن اللبنانية الرسمية وقوات اليونيفيل.
ويُعتبر الخط الأزرق خط الانسحاب الإسرائيلي من جنوبي لبنان في عام 2000 – وهو ليس حدوداً بين البلدين، إنما خط فاصل بينهما.
وبنتيجة ذاك القرار زاد حجم قوات اليونيفيل بشكل ملحوظ ليصل لأكثر من 11 ألف عنصر اليوم، من أكثر من أربعين دولة.
أما عن آلية العمل المتفق عليها، فإن قوات اليونيفيل تبلّغ الجيش اللبناني عند عثورها على أي موقع عسكري أو عند رصدها خرقاً للقرار. في حالة نفق شبعا، قال الضابط إن الجيش اللبناني دمّره بعد أن أخذ الذخيرة التي كانت موجودة فيه.
لكن بالرغم من كل ما تتحدث عنه اليونيفيل باعتباره نجاحاً في تحقيق مهامها، لا تريد إسرائيل لها أن تواصل عملها.
فقد طلب وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر من نظيره الأمريكي ماركو روبيو، وقف عمل اليونيفيل، بحسب ما نقلت صحيفة “إسرائيل هيوم” التي أشارت إلى أن ساعر اعتبر أن “اليونيفيل فشلت في مهمتها الأساسية، وهي منع تموضع حزب الله جنوبي نهر الليطاني”.
وقد يكون الانتقاد الإسرائيلي الأخير لليونيفيل منطلق مما كشفته جبهة الإسناد التي فتحها حزب الله دعماً لغزة في 8 أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 من وجود عسكري متطور لحزب الله في منطقة جنوبي الليطاني.
في المقابل، تطول لائحة الخروقات الإسرائيلية للقرار الأممي ذاته التي وثقتها تقارير اليونيفيل على مدى السنوات السابقة، وليس أقلها الخرق المتكرر للأجواء اللبنانية من خلال طلعات جوية للجيش الإسرائيلي فوق لبنان وخرقه لجدار الصوت