لا يخفي مسؤولون وسياسيون عراقيون في بغداد وجود مشاكل وضغوط تسببت بفتور جديد في العلاقات السعودية العراقية على الرغم من انفتاح الرياض الأخير على بغداد. انفتاح تجسد من خلال تبادل زيارات المسؤولين في كلا البلدين وتقديم السعودية حزمة مبادرات مختلفة لصالح العراق خلال الأشهر الماضية، من بينها منحة مالية ورفع حصة العراق من مقاعد الحج وإعادة الخطوط الجوية السعودية للعمل في العراق مجدداً. كما تم الاتفاق على فتح معبر عرعر بين البلدين بعد إغلاق دام لأكثر من 27 عاماً، إضافةً إلى تعيين سفير دائم للرياض في بغداد واستثمار 4 ملايين هكتار زراعي في وسط وجنوب العراق.
وتبادل الجانبان خلال العام الحالي، سبع زيارات على مستوى وزراء ومسؤولين كان من أبرزهم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي زار مدينة جدة في يونيو/حزيران الماضي. وسبقتها زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، إلى بغداد ومن ثم زيارات لوزراء التجارة والنفط والتخطيط والداخلية.
وتحدث مسؤولون عراقيون عما اعتبروه عوائق تحول دون عودة تلك العلاقات بشكل طبيعي بين العراق والسعودية، من بينها قناعة صناع القرار في بغداد بأن الانفتاح السعودي المفاجئ هو ضمن لعبة أو مشروع إقليمي أميركي في المنطقة عامةً والعراق خاصةً، يهدف لتضييق مساحة النفوذ الإيراني. وهذا يعني بحسب بعضهم، أن الأمر لا يتعلق بخطوة أو مبادرة سعودية ذاتية. وأشاروا إلى عقبة أخرى تتمثل في وجود ضغوط تمارس على العبادي من قبل الكتل والأحزاب السياسية المتشددة داخل “التحالف الحاكم” في العراق، معروفة بولائها لإيران، لتحديد سقف لتلك العلاقة الجديدة مع السعودية.
وكان من المفترض أن يتم استئناف العمل بمعبر عرعر العراقي-السعودي بعد عطلة عيد الأضحى الماضي، وفقاً لإعلان رسمي صدر عن بغداد والرياض، على أن يكون لعبور الأشخاص والتبادل التجاري. إلا أنه رغم مرور أكثر من شهر على الموعد، لم يفتتح حتى الآن، كما لم يصدر أي توضيح حيال ذلك من كلا الطرفين، سواء بتأجيل موعد الافتتاح أو إلغائه. كما أن تقديم الرياض طلباً لافتتاح قنصلية لها في النجف وأخرى في البصرة لم يدرج حتى الآن على جدول البرلمان العراقي لمناقشته، على الرغم من مرور نحو شهرين على الطلب المقدم من الخارجية السعودية.
وحول ذلك، قال مسؤول عراقي في مكتب رئيس الوزراء لـ”العربي الجديد” إنه “لم يطرأ جديد على العلاقة بما يمكن اعتباره سلبياً بين البلدين، لكن الوعود التي قطعتها السعودية قبل أشهر لم تنفذ أياً منها بما فيها فتح المعبر البري تجارياً بين البلدين، وإرسال طاقم دبلوماسي كامل لسفارتها في بغداد”. ونفى أن “يكون تنفيذ حكم الإعدام قبل أيام بحق معتقل سعودي مدان بالإرهاب قد تسبب بأي توتر جديد”. وحول تأخر البت بطلب الرياض فتح قنصلية لها في النجف والبصرة، كشف المسؤول ذاته عن “وجود تحفظات داخل بغداد حيال الطلب خاصةً مع وجود مشروع قانون قدمته كتل في البرلمان العراقي في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، إلى رئاسة البرلمان باعتبار السعودية دولة راعية للإرهاب، لكن لم تتم مناقشته ولم يدرج حتى الآن على جدول أعمال المجلس بطلب من رئيس الحكومة لقادة الكتل السياسية”، وفق تأكيده.
من جانبه، قال النائب في البرلمان العراقي، القيادي بـ”التحالف الحاكم”، منصور البعيجي، لـ”العربي الجديد” إن “العلاقات كانت إعلامية فقط خلال الفترة الماضية ولم يطرأ أي شيء عملي على الأرض”. لكنه أعرب عن اعتقاده بأن “الرياض محكومة بإعادة علاقتها مع العراق بكل الأحوال”، بحسب تعبيره. وأضاف أن “السعودية متورطة في ملف الإرهاب بالعراق وهذا ما يمكن التحدث عنه بالأدلة، ويمكن اعتبار أن مئات الإرهابيين السعوديين الذين دخلوا العراق خلال السنوات الماضية وساهموا في القتل والتدمير، أمراً يحتاج لاعتذار من الحكومة السعودية على إخفاقها أو تهاونها في هذا الملف”. واتهم الرياض بأنها “داعم خفي لاستفتاء (كردستان) الأخير وتقسيم العراق لأسباب غير خافية على أحد”، كما ذكر البعيجي. وختم بالقول “مشاكلنا كثيرة معها ولا يمكن أن تحل بيوم وليلة”.