يتميز كتاب “أزمة الجنس في الرواية العربية بنون النسوة” للناقد المغربي الكبير الداديسي عن سابقيه بتخصيص اهتمامه على موضوع الجنس في الرواية النسائية، وباتساع نطاق التناول ليشمل كاتبات من أغلب الأقطار العربية، عالج أعمالهن عبر ثمانية فصول كل واحد منها مخصص لكاتبات في نطاق جغرافي معين، مثل الخليج أو الشام أو مصر، وهكذا.
صوت واحد
يقر الكبير الداديسي بغزارة الإنتاج الروائي للمرأة العربية قائلا “ما إن بدأت البحث والتنقيب حتى تدفق علي سيل هادر من الأسماء، وتناسلت أمامي تجارب لم أجد أمامها إلا الاستسلام وإعلان استحالة تسييج ومتابعة كل ما أنتجته نون النسوة إلى اليوم، فلم أجد بدا من حصر البحث في الزمن، وحصره في المضمون، وزدت التدقيق أكثر بالاقتصار على نماذج محددة (عشرون رواية نسائية) صدرت بعد مطلع الألفية الثالثة من مختلف الدول العربية بدت لي نقطة صغيرة في بحر واسع”.
يضيف الناقد “اتضح لنا أن القاسم المشترك والخيط الرابط بينها جميعها هو التركيز على تيمة الجنس لدرجة لم نعثر على رواية نسائية لا تقارب هذه التيمة”.
ويرصد الكتاب، الصادر عن مؤسسة الرحاب الحديثة – بيروت، مسارا عاما سلكته الرواية النسائية العربية، تمثل في “السرد بضمير المتكلم، وجعل السارد في الأعم الأغلب امرأة تحكي معاناة المرأة العربية من سطوة الرجل في مجتمع ذكوري يستعظم الرجل فيه بالفهم الخاطئ للدين وتأويله لتعزيز سطوته وإشباع غرائزه دون مراعاة متطلبات المرأة الجنسية”، وإن لاحظ بعض اختلافات مرتبطة بطبيعة المكان الروائي فمثلا في “الروايات الخليجية التي لم تتح أي كاتبة لأي بطلة ربط علاقة مع رجل غير خليجي، فقد وجدنا الروائيات في المغرب العربي يسمحن لبطلاتهن بربط علاقات مع الآخر من جنسية أو ديانة أخرى، فكنّ أكثر انفتاحا وأكثر تسامحا، بل ربما ألفينا بعضهن تفضل ربط علاقة مع الغريب على ربطها مع ابن البلد”.
ولاحظ الداديسي أن كل الروايات التي جعلت من الأزمة الجنسية بؤرتها وتيمتها الأساس، سواء في المشرق العربي أو في مغربه، صورت “المرأة ضحية، والرجل قاهرا مغتصبا لا يرحم ضعفها، مثقفا كان أم سياسيا، قريبا أم غريبا. قد تكون وضعية المرأة كما تصورها الروائيات وضعية مزرية، دون أن تدرك معظمهن أن واقعنا العربي يجعل المرأة والرجل معا مطحونين تحت وطأة واقع سياسي اقتصادي واجتماعي متشظ، والمرأة فيه أكثر هشاشة. لكن المرأة الروائية فضلت الحديث بصوت واحد، في الأغلب الأعم، هو صوت المرأة المظلومة دون أن تمنح فرصة أكبر للرجل لتقديم رأيه”.
الكتابة الروائية عند المرأة العربية كادت تتخصص في قضايا المرأة في الـ (هنا) والـ (الآن)، حتى ليبدو وكأنها جاءت كرد فعل عما رصدته النزعة الذكورية في الرواية العربية، والتي نمطت المرأة في صورة واحدة لا تبتعد عن كونها كائنا لا حياة له دون رجل هو مصدر أكلها وأمنها؛ فجاءت الرواية النسائية المعاصرة للثورة على هذه الصورة فجعلت المرأة البطل الرئيسي والبؤرة الأساس في كتابات النساء وإرجاع الرجل إلى الظل كشخصية ثانوية، فقلما وجدنا رواية كتبتها امرأة بطلها رجل.
الرجل والمرأة
تم تقديم المرأة في الغالب شخصية قادرة على تغيير حياتها وحياة من حولها، وتقديم الرجل كشخصية غير سوية تجتمع فيها كل المساوئ. ففي معظم أعمالهن هو غير عادي مهووس بالجنس ميال إلى الشذوذ تتساوى في ذلك رواية “زينة” لنوال السعداوي حيث الرجل يميل إلى الاغتصاب بطبعه، ورواية ربيعة ريحان من المغرب التي تجعل من زوج بطلة روايتها “طريق الغرام” رجلا شاذا، وهو النهج الذي نهجته أعداد من الروائيات العربيات المعاصرات في مختلف البلدان.
يستشهد الناقد ببطل رواية “اكتشاف الشهوة” للجزائرية فضيلة الفاروق الذي يمارس الشذوذ، وكذلك يتطرق إلى الرواية النسائية الخليجية التي تشير إلى الشذوذ كما في رواية “بنات الرياض” أو رواية “سلالم النهار” للكاتبة الكويتية فوزية الشويش.
وكما في معظم الروايات النسائية العربية المعاصرة كان الرجال الحاضرون في رواية نبيلة الزبير كلهم سالبين آباء أو إخوانا أو أزواجا فهم لا يخرجون عن الرجل المستهتر الذي لا يعرف القيم، فيخون زوجاته، تلك بعض سمات الرجل العربي المعاصر في بعض الأعمال الروائية النسائية المعاصرة التي يتساوى فيها كل الرجال صغارا كانوا أم كبارا، مثقفين أم أميين، يساريين أم يمينيين.
مقابل تلك الصورة السلبية للرجل حاولت معظم الروايات النسائية تقديم المرأة العربية في صورة إيجابية: متفانية في أداء واجبها، مخلصة، بريئة، وأن الرجل هو من يلوثها وأنها في الغالب فاشلة في مسايرة رغباته الجامحة والشاذة وإن فعلت فمكرهة ومجبرة، وأنها ضحية سلطة الرجل وجبروته، إنه مقابل حرص المرأة وسعيها للحفاظ على رباط الزواج موصولا، قدمت الرواية النسائية الرجل ساعيا دائما إلى قطع هذا الرباط لأتفه الأسباب.
ومن مظاهر الصورة الإيجابية للمرأة جعل معظم البطلات مثقفات، ومعظمهن ذوات تعليم عال، راقيات في سلوكهن، يقدرن عواقب كل خطوة يعتزمن خطوها، سواء تربين في الشارع أو كن منحدرات من أصول راقية.
ويرى الكاتب أن الروائية العربية لا تهاجم الرجل كرجل، وإنما صورة الرجل المتسلط فيه، ورغم جرأة الطرح الذي قدمه الكاتب إلا أنه اكتفى بالرصد دون أن يقدم تفسيرا، ولا نرى مبررا للتقسيم الجغرافي حسب موطن الروائيات، وكان من الأجدى أن يرصد ملامح الظاهرة فيتم التناول بحسب الموضوع.