رغم أن السلطات في السنوات الأخيرة وضعت تماثيل لستالين في مدن عدة من البلاد، إلا أن شخصية الديكتاتور الدموية لا تزال تثير انقساما بين الروس.
يرتفع في موسكو تمثال جديد لستالين، ويقدّم مسؤول أمني تبريرات لمرحلة القمع في زمنه… ولا يتردد الرئيس فلاديمير بوتين عن الإشادة به، في ما يبدو أنها سياسة ترمي لتبييض صفحة الرجل الذي حكم الاتحاد السوفياتي بالحديد والنار.
في الخامس من مارس/آذار من كل عام، يحيي الشيوعيون في روسيا ذكرى وفاة ستالين، ويزورون ضريحه في الساحة الحمراء لوضع أكاليل الزهور، على مقربة من الكرملين مركز الحكم حاليا.
لكن الشيوعيين ليسوا وحدهم من يحاول تبييض صورة ستالين اليوم، إذ يبدو أن الأمر صار توجها لدى السلطات.
بدأ الأمر في العام 2009، حين رفعت لافتة في محطة المترو كورسكايا “إنه ستالين الذي أنشأنا على الوفاء للشعب، الذي ألهمنا في عملنا”.
وقالت السلطات حينها إن المحطة خضعت لأعمال تجديد بهدف استعادة ملامح الزمن الستاليني.
وفي السنوات الماضية، رُفعت تماثيل لستالين في مدن عدة من روسيا، منها تمثال وضع في وسط موسكو في سبتمبر/أيلول الماضي بمبادرة من الجمعية الروسية للتاريخ العسكري، وهي منظمة أنشأها الرئيس بوتين ويديرها وزير الثقافة فلاديمير ميدينسكي.
ويباهي بعض المسؤولين، مثل حاكم منطقة ستافروبول في الجنوب فلاديمير فلاديميروف بإظهار تماثيل لستالين في مكاتبهم.
وما زالت شخصية هذا الرجل الذي يعدّ من أعتى مستبدي القرن العشرين، تثير الانقسام بين الروس.
فالبعض يرون فيه باعث النهضة الصناعية ومهندس الانتصار على النازية، فيما يصفه الآخرون بالطاغية ويحمّلونه مسؤولية قتل عشرين مليون شخص أعدموا أو ماتوا في معسكرات سيبيريا.
متآمرون
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، شدد رئيس الاستخبارات الروسية (كي جي بي سابقا) ألكسندر بورتنيكوف على أن “جزءا كبيرا” من الملفات التي جرى التحقيق فيها في زمن ستالين كانت “ذات مضمون حقيقي” وتطال “متآمرين” و”أشخاصا على اتصال باستخبارات أجنبية”.
وأثار ذلك التصريح استياء كبيرا، واحتج ثلاثون عضوا من الأكاديمية الروسية للعلوم قائلين “يبدو أن مسؤولا كبيرا يبرّر حملات التصفية الواسعة التي جرت بين الثلاثينيات والأربعينيات، والتي شابتها محاكمات زائفة وتعذيب وإعدام لمئات آلاف من مواطنينا الأبرياء”.
إفراط في الشيطنة
ويقول يان راتشينكسي من منظمة “ميموريال” كبرى منظمات حقوق الإنسان في روسيا لوكالة فرانس برس “المشكلة أن مواطنينا لا يعرفون مدى جرائم ستالين ولا يعرفون ما كانت عليه حملات التصفية”.
وتؤدي المنظمة دورا كبيرا في كشف أعمال القمع التي جرت أيام ستالين، لكنها تشتكي مما تقول إنه عرقلة من السلطات التي تصفها بأنها تعمل لحساب جهات خارجية.
وفي حلقة جديدة من سلسلة تبييض صفحة ستالين، حيا فلاديمير بوتين قبل أيام “تفاني” الكاتب والصحافي ألكسندر بروخانوف، وهو من أكبر المدافعين عن ستالين، في عيد ميلاده الثمانين.
وفي يوليو/تموز الماضي، لم يقدّم بوتين موقفا واضحا حول ستالين في مقابلة مع المخرج الأميركي أوليفر ستون.
فهو أشار إلى وقوع فظائع لا يجب أن تُنسى، ولكنه رأى أن “الإفراط في شيطنة” ستالين “هو هجوم على الاتحاد السوفياتي وروسيا”.
وفي الشهر الماضي، منعت وزارة الثقافة عرض فيلم هزلي بعنوان “موت ستالين” للمخرج أرماندو ايانوتشي لاعتباره يسخر من “تاريخ الاتحاد السوفياتي، هذا البلد الذي هزم الفاشية”.
في المقابل، بات بالإمكان الوقوع على كثير من التذكارات التي تحمل صورة ستالين في المتاجر والمتاحف والمطارات، إضافة إلى أفلام كثيرة عنه تعرضها القنوات الرسمية.
ونتيجة لكل ذلك، حلّ ستالين أولا في استطلاع أجراه في يونيو/حزيران مركز “ليفادا” المستقل عن أكثر الشخصيات تأثيرا في العالم على مدى التاريخ.