دخل العمل الصحفي بعد عام 2003 مرحلة جديدة، بدأت فيها اصوات الصحفيين تعلو شيئا فشيئا، فبعد ان كان الاعلام العراقي مرتبطا بتوجهات شمولية تستند على قناتين ارضيتين وفضائية واحدة، اضافة الى عدد من الصحف اليومية التي لا يتجاوز عددها اصابع اليد الواحدة، وترتبط جميعها بسياسيات النظام السابق، اخذ نطاق الاستثمار في مجال الاعلام يتوسع، ليتحول الى سلطة فعلية في العراق لا يستهان بتأثيرها خصوصا على القرار السياسي.
وفي ظل هذا التوسع في العمل الاعلامي، ظهرت عدد من المؤسسات التي تعنى بحريات الصحفيين وحمايتهم من ابرزها نقابة الصحفيين، والنقابة الوطنية، اضافة الى اتحاد الصحفيين العراقيين، لكن الكثير من المتابعين ومنهم الصحفيون انفسهم يرون ان تلك النقابات لا تؤدي دورا فعالا، بحيث انها اصبحت اشبه بمواقع الكترونية لا يتجاوز عملها حدود ‘الشجب’ و’الاستنكار’ و’المطالبة’ احيانا لو اقتضى الامر، في وقت يواجه فيه الصحفيون مخاطر جسيمة تبدأ بالتصفية الجسدية، ولا تنتهي عند حدود الخطف والتهديد والوعيد من قبل جماعات مسلحة، واحزاب متنفذة في البلاد.
‘استهدافات وتصفية جسدية’
جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق رصدت في تقرير اعدته حالات الانتهاكات المسجلة ضد الصحفيين في العراق للسنوات 2015 – 2016 – 2017، كان ابرزها مقتل 40 صحفيا خلال السنوات المذكورة، واصابة 76 اخرين، معظمهم قضوا خلال فترة العمليات العسكرية لتحرير المناطق العراقية التي احتلها تنظيم داعش عام 2014.
وبحسب التقرير، فأن ‘المؤشرات تدل الى تسجيل 430 انتهاكا صريحا ضد حرية العمل الصحفي في العراق، معظمها كانت من قبل جهات حكومية وامنية’، لافتا الى ان ‘معظم حالات الاصابات التي تعرض لها الصحفيون كانت خلال عام 2017، وهو العام الذي شهد معارك تحرير الموصل الضارية، فيما تؤكد الحالات المسجلة استمرار استهداف الجماعات المسلحة المجهولة العديد من الصحفيين، وتواصل مسلسل الافلات من العقاب’.
‘عقود من جانب واحد’
مؤسسات اعلامية عديدة في العراق، تمتلك شعبية واسعة حتى في الوطن العربي، تورطت في الاونة الاخيرة بانتهاك حقوق الصحفيين وتسريحهم بدون تسليمهم مستحقاتهم المالية المتأخرة منذ اشهر طويلة.
مدير مرصد الحريات الصحفية في نقابة الصحفيين هادي جلو مرعي يقول في حديث لـ’المدار’، إن ‘نظام الدولة العراقية منذ عام 2003 ولغاية الان لا يضمن للصحفي اي حقوق، في حين لم يقر البرلمان تشريعات من شأنها حماية حقوق الصحفي’.
ويضيف مرعي، أن ‘الصحفيين يسرحون من عملهم بدون اي ضمانات، كما حصل في قناة محلية حيث تم تسريح 50 صحفيا، وقبلها 34 اخرين في قناة ‘الحرة’ ، مبينا ان ‘النقابات لا تستطيع ان تدافع عن حقوق الصحفيين لاسباب اخرى من بينها عدم وجود عقود عمل بين الصحفيين ووسائل الاعلام التي يعملون فيها’.
ويشير الى ان ‘هناك بعض المؤسسات قامت فعليا بابرام عقود مع الصحفيين العاملين لديها، ولكنها من جانب واحد تضمن حقوق المؤسسة فقط، من بينها منع الصحفيين من العمل في مؤسسات اخرى او منعهم من المطالبة باي حقوق في حال تم تسريحهم من العمل’.
‘دكاكين صحفية’
رئيس النقابة الوطنية للصحفيين في العراق ياسر السالم، انتقد بدوره ظهور مؤسسات صحفية لمدة 6 اشهر او عام او عامين وتختفي بعدها، الهدف منها خدمة الحزب السياسي التابعة له في مرحلة من المراحل، اهمها مرحلة الانتخابات البرلمانية التي تكون فاصلة في حياة كثير من الاحزاب.
ويقول السالم في حديثه لـ’المدار’، إن ‘هذه الظاهرة اسهمت بتسريح المئات من الصحفيين من المؤسسات، سيما وأن البرلمان لم يقر قانون الاتحادات والنقابات الذي ينضم عمل النقابات في البلاد’.
الصحفية امل صقر وهي مراسلة اذاعة مونتكارلو الدولية، تعتبر، أن ‘القضية في حقيقة الامر لاتتعلق بكثرة النقابات والاتحادات وحتى المنظمات المدافعة عن حرية التعبير وحقوق الانسان، وانما تتعلق بالقوانيين والقابلية على تنفيذها والالتزام بها’، لافتة الى ان ‘البرلمان العراقي في دورته السابقة كان فاشلا جدا في تمرير القوانيين خاصة التي تعنى بحقوق الصحفيين وحرية التعبير وحق الحصول على المعلومة وغيرها من القوانيين المهمة ليس على صعيد محلي فحسب وانما الدولي ايضا’.
كما ان المسؤولية لا تقع على عاتق المؤسسات المذكورة فقط كما ترى الصحفية امل صقر، حيث ان ‘الصحفين والاعلاميين العاملين في المؤسسات الاعلامية المحلية الذين يسلطون الضوء على مشاكل وهموم الناس ويدفعونهم للمطالبة بحقوقهم هم انفسهم لايتمتعون بهذه الصفة، فهم لايعرفون حقوقهم ولايطالبون بها.
وفي الدستور العراقي الدائم الصادر عام 2005، تم تثبيت موضوع حرية الإعلام والتعبير ضمن مادة ‘حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر’، إلا أن النص لم يفعّل بتشريعات قانونية، حيث شهد العراق تجاوزات على حرية التعبير والإعلام، تمثلت بمنع الصحفيين من تغطية الأحداث، والقبض التعسفي والضرب الميداني والإهانة والاختطاف الممنهج ومصادرة المعدات والأجهزة، كما تعرّض صحفيون عراقيون لمحاكمات جنائية، وأوامر قبض بتأثيرات لسياسيين متنفذين.