“لا يريدون تهنئة جوفاء”
بالتزامن مع الاحتفاء بيوم العمال العالمي، يواجه العمال في العراق تحديات متفاقمة تهدّد حقوقهم واستقرارهم، فبين غياب الضمانات القانونية والاجتماعية والصحية، والاستغلال المتزايد في القطاعين العام والخاص، يئنّ صوت الطبقة العاملة تحت وطأة الظروف الاقتصادية والسياسية المعقدة التي تمر بها البلاد.
وتتعاظم المشكلات حول معاناة العمال وواقعهم في ظل واقع اقتصادي يتجه معظمه إلى النفط، وهو ما يجعل صعوبة في أن تترجم هذه المعاناة المتراكمة والتحديات الجمة إلى “نبض للشارع” يحدده صوت العمال في يوم ما، ودائماً ما يطرح السؤال في مختلف المناسبات: هل ستتمكن المساعي الحالية من تحويل النقابات العمّالية إلى قوة فاعلة قادرة على تحقيق شعار “اتحدوا يا عمال العالم ليس لديكم ما تخسرونه سوى قيودكم” على أرض الواقع العراقي؟وفي العراق هناك أكثر من 15 مليون عامل، لكن المسجلين فيهم تحت مظلة الضمان الاجتماعي، لا يتجاوز مئات الآلاف. ووفقاً لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فإن هناك مليون عامل أجنبي في البلاد، إلا أن المسجلين رسمياً لديها لا يتجاوزون 71 ألف عامل، وهو ما يساهم بمفاقمة معاناة العمال المحليين. “لا يريدون تهنئة جوفاء” وتعبيراً عن رفضه لتهنئة عيد العمال بدأ حديثه: “لا نريد تهنئة جوفاء في هذا اليوم”، قال المواطن محمد (35 عاماً) الذي أضاف: “نريد الأفعال الحقيقية، نريد ضمانات قانونية تحمينا من الاستغلال. نريد التأمين الصحي الذي يليق بآدميتنا. نريد رواتب تحفظ كرامتنا وتؤمن مستقبل أطفالنا”.
وهي معاناة يؤكدها عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي ياسر السالم الذي أشار إلى “وجود طبقة عاملة في البلاد، لكنها تعاني من سلب حقوقها ونقص حاد في الضمانات القانونية والاجتماعية والصحية”، فيما أرجع السالم هذا الوضع إلى “تراجع الدولة عن مسؤولياتها تجاه العمال وتعرضهم لاستغلال كبير”.
ويقول السالم في حديث لمنصة “الجبال”، إن “هذا الاستغلال يطال العاملين في القطاع الحكومي، حيث تحولت الشركات التابعة للدولة إلى شركات خاسرة شهدت تسريح آلاف العمال، كما يشمل عمال القطاع الخاص الذين يتقاضون أجوراً ورواتب متدنية ويعيشون بلا ضمانات تقاعدية أو صحية، ويتعرضون لمخاطر جمة، خاصة العاملين في القطاع الخدمي الذين يواجهون مخاطر يومية بسبب طبيعة عملهم”.
وانتقد السالم ما وصفه بـ “تشويه فكرة العمال” خلال حقبتين زمنيتين، ففي زمن النظام السابق، جرى تحويل العمال إلى القطاع العام بشكل يخالف الوضع المفترض لهم، وتحويل شركات القطاع العام إلى شركات حكومية تابعة للحكومة بدلاً من شركات مستقلة تدار بنظام شركات القطاع العام.
وبعد عام 2003، تعرضت هذه الشركات للتعطيل، وتحولت مصانع الحكومة أو الدولة إلى شركات خاسرة وغير منتجة، مما أدى إلى تسريح أعداد كبيرة من العمال.
وخلص السالم بالقول إلى أن “السياسات الحكومية اتجهت نحو إضعاف الطبقة العاملة وإخضاعها لسياسات السوق الليبرالية المفتوحة وغير المنظمة”، والتي وصفها بأنها “سوق شبه مشوهة لا يمكن فيها ضمان أي حقوق”.
القانون غير مطبق عملياً
وفيما يخص الجانب القانوني أوضح المحامي محمد جمعة أن قانون العمل العراقي يمنح العمال حقوقاً وافرة، إلا أن تطبيق هذه الحقوق يظل قاصراً في الواقع العملي. وأشار جمعة بشكل خاص إلى مسألة ساعات العمل، مؤكداً أنها “لا تُطبق في العديد من القطاعات”.
وتحدث جمعة عن حقوق أخرى مهملة، مثل “الحقوق الخاصة بالنساء الحوامل وتوفير مساحات مخصصة للأطفال في أماكن العمل، وهي بنود قانونية غالباً ما يتم تجاهلها”.
وتناول جمعة أيضاً مسألة “إنهاء الخدمات”، مشيراً إلى أن “القانون ينظم هذه العملية ويحظر الفصل التعسفي أو إنهاء العقود دون اتباع الإجراءات القانونية اللازمة، مثل التحقيق”، ومع ذلك، فإن غالبية العمال الذين يُنهى عملهم لا يلجأون إلى تقديم شكاوى ضد ما يعتبرونه فصلًا تعسفياً، كما يؤكد جمعة.
عمل غير رسمي والنقابات “لم تقدم الكثير”
وكشف مسح القوى العاملة في العراق لعام 2021 عن ارتفاع معدل البطالة إلى 16.5%، أي عاطل عن العمل لكل خمسة في القوى العاملة، لكن للافت هو أن بطالة الإناث (28.2%) تضاعف بطالة الذكور (14.7%)، بينما تصل بطالة الشباب (15-24 سنة) إلى 35.8%، أي ثلاثة أضعاف بطالة الفئة العمرية الأكبر (11.2%).
وتشير بعض التقارير إلى أن القطاع غير الرسمي هو أكبر جهة توظيف في العراق، وأن غالبية العاملين في القطاع الخاص يعملون بشكل غير رسمي، ويفتقرون غالباً إلى عقود عمل واضحة، وضمان وظيفي، وفوائد، وحماية اجتماعية.
ووفقاً للمسح، فإن قطاعات البناء والتشييد والإدارة العامة والدفاع وتجارة الجملة والمفرد تتصدر قائمة الأنشطة الاقتصادية الأكثر استيعاباً للعمالة في العراق.
وفيما يتعلق بدور النقابات، أشار السالم إلى أنها “لم تتمكن من تقديم الكثير للعمال، لأنها تخضع في الوقت الراهن لصراعات سياسية”، لكنه أكد على “وجود مساعٍ لتحويل نقابات العمال إلى صوت عمالي حقيقي قادر على الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة والخوض في الصراعات الحالية .