المرأة العراقية في سباق الانتخابات.. هل هي في سباق “غير متكافئ”؟

رغم المكاسب التشريعية والتمثيل العددي الذي فرضه نظام الكوتا، ما تزال المرأة العراقية تخوض معركة حقيقية لتثبيت حضورها الفعلي في المشهد السياسي، فالمشاركة لم تعد هدفاً بحد ذاتها، بل وسيلة لتغيير السياسات العامة وبناء ثقة الجمهور بقدرة النساء على القيادة، وما بين الكوتا والطموح، تبقى التجربة في طور التكوين، بانتظار “بيئة سياسية أكثر عدلاً، وإرادة حزبية ومجتمعية تعترف بأن المرأة ليست رقماً انتخابياً، بل ركيزة في بناء الدولة الديمقراطية”، بحسب عديدين. 

ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في العراق، تعود الأسئلة القديمة إلى الواجهة حول دور المرأة العراقية في العملية السياسية، وهل تمثل مشاركتها حضوراً فعلياً مؤثراً في صناعة القرار، أم أنها ما تزال رمزية تخضع لحسابات الكوتا والتمثيل الشكلي الذي تفرضه القوانين الانتخابية؟

المرأة بين النص الدستوري والواقع السياسي

ويضمن الدستور العراقي تمثيل المرأة بنسبة لا تقل عن 25% من مقاعد مجلس النواب، وهي نسبة تُعد من الأعلى في المنطقة العربية، إلا أن التحدي الأكبر، بحسب مراقبين، لا يكمن في عدد المقاعد بل في طبيعة الدور الذي تمارسه النائبات داخل البرلمان، ومدى استقلاليتهن عن الأحزاب السياسية التي أوصلتهن إلى السلطة.


وتقول الاكاديمية العراقية رُقية العبيدي، إن “النظام الانتخابي في العراق وفّر للمرأة فرصة دخول البرلمان، لكنه لم يضمن لها مساحة فاعلة في صياغة السياسات العامة. معظم المرشحات يخضعن لهيمنة الكيانات السياسية التي تحدد لهن سقف المشاركة وحدود الخطاب”.

ومنذ أول انتخابات بعد عام 2003 وحتى اليوم، لم تتراجع نسبة مشاركة النساء في الترشيح والانتخاب، لكنها “لم تحقق التغيير النوعي المطلوب في الأداء السياسي”، كما ترى ناشطات.

وترى الأكاديمية د. سناء العبيدي، المتخصصة في الشأن الاجتماعي، أن الكوتا النسوية كانت “خطوة مهمة لكنها غير كافية”، مضيفة أن “الكوتا فتحت الباب أمام مشاركة المرأة، لكنها لم تضمن بناء قيادات نسوية حقيقية. بعض الأحزاب تتعامل مع الكوتا بوصفها التزاماً قانونياً لا قناعة سياسية، مما يجعل بعض المرشحات واجهة انتخابية لا أكثر”.

في المقابل، يلاحظ مراقبون ازدياد وعي الناخبات العراقيات، ولا سيما بين الأجيال الجديدة، بأهمية التصويت لمرشحات يمتلكن برامج واقعية.

وتقول الناشطة في قضايا المرأة زهرة الساعدي إن “الجيل الجديد من النساء العراقيات لم يعد يكتفي بالشعارات العامة. هناك بحث عن مرشحات يمثلن قضايا المرأة فعلاً، كحقوق العمل، التعليم، وحماية النساء من العنف الأسري”.

الإعلام ودور الصورة النمطية

من جانب آخر، يلعب الإعلام دوراً مزدوجاً في تشكيل صورة المرأة السياسية. فبينما ساهمت بعض المنصات في إبراز قصص نجاح نساء برزن في مجالات تشريعية وتنفيذية، ما زالت قنوات أخرى تُسهم في ترسيخ الصورة النمطية للمرأة بوصفها “تابعاً” للرجل السياسي أو واجهة للتجميل الانتخابي، كما ترى بعض النساء المهتمات بالشأن العام.

وتوضح الدكتورة الأكاديمية إيمان السامرائي، أن “الإعلام العراقي لم يمنح المرأة السياسية بعد مساحة تحليلية مستقلة. التغطيات الانتخابية تركز على الجوانب الشكلية، أو تُسأل المرشحة عن قضايا أسرية لا سياسية، مما يقلل من جدّية حضورها لدى الرأي العام”.

ورغم القوانين المشجعة، تواجه المرشحات عقبات معقدة تتعلق بالتمويل الانتخابي والنفوذ العشائري والبيئة الحزبية الذكورية، بحسب ناشطات. 

وتشير الأكاديمية ميسون الكعبي، إلى أن “المرأة تدخل سباقاً انتخابياً غير متكافئ. التمويل والدعاية والإعلام كلها أدوات تُستخدم لمصلحة المرشحين الرجال. كثير من النساء لا يمتلكن الإمكانات لتسيير حملة انتخابية تنافسية”.

وتضيف الكعبي أن بعض الأحزاب “تتعامل مع الترشيح النسوي كوسيلة لتحسين صورتها أمام الرأي العام والمجتمع الدولي، من دون أن تمنح المرشحة سلطة حقيقية داخل الحزب”.

ومع تصاعد الوعي السياسي، تتوقع الأكاديميات أن “تشهد الانتخابات المقبلة مشاركة نسائية أكثر استقلالاً واحترافية”.

وتؤكد الأكاديمية إيمان السامرائي أن “الجيل الجديد من المرشحات يمتلك أدوات مختلفة: الخطاب الرقمي، الحملات عبر وسائل التواصل، والقدرة على بناء ثقة مع الجمهور من خارج القنوات التقليدية”. لكنها تحذّر في الوقت ذاته من خطر التهميش الإعلامي والتشويه الممنهج الذي قد تواجهه المرشحات عبر حملات التضليل على الإنترنت، داعية إلى تدريب إعلامي خاص للمرشحات حول “إدارة الصورة العامة في الحملات الانتخابية”.